يخوض أهل القدس الصامدين، معركة الدفاع عن مسرى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وهم يعلمون جيداً مخطط العدو الصهيوني، وما يهدف للوصول إليه عبر إجراءاته الأخيرة، وأبرزها إحكام السيطرة على المسجد الأقصى المبارك، عبر البوابات الإلكترونية التي سيحقق من خلالها سيطرة كاملة على المسجد الأقصى، بحيث يكون الاحتلال المتحكم الفعلي، بحركة الدخول إلى الأقصى، من ناحية أعداد المصلين أو حتى إدخال الإمكانيات والمواد الخاصة بالإنشاءات أو الصيانة والتي يحتاجها الأقصى بشكل دوري، وبذلك توفر تلك البوابات الإلكترونية الأجواء الملائمة للاحتلال الصهيوني من أجل تمرير مخطط التقسيم الزماني للأقصى عبر إغلاق البوابات بشكل كامل، خلال الفترات التي يدنس اليهود فيها باحات المسجد الأقصى المبارك، بحيث تكون ساحات الأقصى خالية لهم، ليقوم المستوطنين بأداء الطقوس اليهودية بداخله بكل أريحيه، في محاولة لتثبيت حق ديني مزعوم لهم في المسجد الأقصى المبارك، وفي حالة الصمت على هذه الإجراءات الصهيونية، وعدم المبالاة بنتائجها الكارثية، يكون الاحتلال قد حقق نجاحاً مهماً بتمرير هذا المخطط الخبث، الذي له ما بعده من إجراءات التهويد والتقسيم للأقصى المبارك، ويفتح شهية الاحتلال وحاخاماته للإقدام على الخطوة التالية والأخطر وهي التقسيم المكاني للمسجد الأقصى المبارك، بعد إفراغه من المصلين وحصر أعدادهم وأعمارهم، من خلال شروط السماح للدخول للأقصى المبارك عبر تلك البوابات الأمنية، وسوف تزداد شروط الدخول تعقيداً يوم بعد يوم، كما هي التجربة مع الاحتلال الصهيوني في الضفة المحتلة، حيث قام بتحويل الحواجز على مداخل المدن إلى معابر محكمة، لا يستطيع الفلسطيني التنقل بين مدينة فلسطينية وأخرى إلّا عبر إجراءات أمنية صعبة، وكأنه يتنقل من دولة إلى دولة !.
معركة السيطرة على المسجد الأقصى تقودها حكومة الاحتلال الصهيوني رسمياً، وهي لا تتوانى عن استغلال كل الأحداث والظروف المحيطة، من أجل تنفيذ مخططها بالسيطرة الفعلية على الأقصى، ولعلنا نتذكر مسألة تركيب الكاميرات داخل المسجد الأقصى، والتي كانت جزء من مخطط فرض السيطرة على الأقصى، عبر ما يعرف بتفاهمات "كيري نتانياهو مع الملك الأردني" في أكتوبر 2015 م، مع بدايات اندلاع انتفاضة القدس المباركة، وهي محاولة صهيونية بمساعدة أمريكية، للسيطرة على المسجد الأقصى المبارك، من خلال مشروع كاميرات المراقبة داخل الأقصى وباحاته والذي اقترحه جون كيري وزير الخارجية الامريكي آنذاك، ومعروف بأن مشروع كاميرات المراقبة تم إفشاله بالضغط والرفض الشعبي العارم، وخاصة من شخصيات وهيئات ومؤسسات مقدسية، مما أدى بالحكومة الأردنية إلى العدول عنه والتراجع عن تنفيذه، وكانت الحكومة الصهيونية تهدف من مشروع الكاميرات، فرض عين أمنية لها داخل المسجد الأقصى، توفر لقوات الاحتلال الشرطية معلومات مهمة تساعدها في عمليات فرض السيطرة والتقسيم للأقصى، أو تسهيل عمليات الاقتحام والتدنيس لمجموعات الصهاينة للمسجد الأقصى، والتي تحدث بشكل يومي بحراسة قوات الشرطة الصهيونية.
لم تتوقف عملية الاستهداف الصهيوني للمسجد الأقصى، والتي كان آخرها البوابات الإلكترونية، والتي يسعى الاحتلال لشرعنتها وتمريرها، عبر الادعاء بموافقة بعض الدول العربية على إقامتها وتفهمها لدواعيها الأمنية، إلا أن اليقظة المقدسية والدراية الكافية لمخطط الصهاينة، ومعرفة أهل القدس الجيدة بالسعي الصهيوني الحثيث، لفرض السيطرة على المسجد الأقصى، ولعل تجربة المسجد الإبراهيمي في الخليل الفلسطينية، شاهدة على خبث المخططات الصهيونية التهويدية، وأمام هذا الخطر المشاهد بالعين المجردة، فأهل الأقصى أدرى بالخطر، انتفض المقدسيين رفضاً لمخطط البوابات الإلكترونية التي تحاصر المسجد الأقصى، ورفضوا الدخول إلى الأقصى عبر تلك البوابات الأمنية الصهيونية، صمودهم واعتصامهم عند بوابات الأقصى وخاصة باب الأسباط، وإقامتهم الصلوات الخمسة بأعداد كبيرة عند أبواب الأقصى، أربك قادة الاحتلال وأجهزته الأمنية والشرطية، التي توهمت أن تمر هذه الإجراءات العدوانية، مصحوبة بكمية القمع الكبيرة التي تمارسها الشرطة الصهيونية على المقدسيين، فيهرول كل واحد إلى بيته ويغلق بابه عليه وعلى أولاده، إلا أن الخطر المحدق بالأقصى، ويراه المقدسيين بأعينهم جهارا، استنفرهم فحشدوا جموعهم، واصطفوا في كل صلاة على الإسفلت، يعلنوها الله أكبر في وجه الجنود الصهاينة المدججين بالسلاح، ولسان حالهم لن نسمح لكم بتمرير المؤامرة ضد الأقصى، ولن ندخل أقصانا عبر بوابتكم الإلكترونية، ولو أفتى مشايخ الفضائيات بأن الدخول لمكان العبادة من تحت بسطار المحتل حلال، لن ندخل الأقصى إلا بعزة المؤمن، تلك العزة والكرامة التي نجهر بها في فلسطين كعبادة بوجه كل المحتلين الظالمين .
المشهد الثوري في القدس وضواحيها، والواقع الملتهب في الضفة الثائرة، والتهديد الصريح من مقاومة غزة الباسلة، والعمليات الفدائية في الخليل ورام الله، كل ذلك وضع قادة العدو الصهيوني أمام خيارات صعبة ومناقشات حادة، حول جهوزية الكيان الصهيوني بالدخول في معركة مفتوحة لا يعلم مداها أحد، عنوانها المسجد الأقصى المبارك، ثالث مكان مقدس للمسلمين كافة، فبدأت التسريبات عن توصيات أمنية صهيونية للمستوى السياسي في حكومة الاحتلال، بضرورة التخفيف من التوتر عبر إلغاء إجراء البوابات الإلكترونية، وهذا يكشف لنا أهمية الحراك الشعبي المقاوم للاحتلال، وتأثير المقاومة المسلحة وما تملكه من قوة ردع للاحتلال، وصلابة الموقف السياسي المدافع عن الثوابت والمقدسات، والذي يوفر الدعم لكل أشكال الحراك الثوري ضد الاحتلال، حيث يتكامل المشهد الفلسطيني في الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك، وإفشال كل مسعى صهيوني للتلاعب بمكانة ومصير المقدسات الإسلامية، لا أقول بأن الاحتلال سيتراجع بسهولة عن خطواته الأخيرة في المسجد الأقصى المبارك، بل يحتاج الأمر مزيداً من الحراك الشعبي العارم على امتداد الوطن، وتوسيع دائرة الفعل الانتفاضي بكافة الوسائل والإمكانيات المتاحة شعبياً، يترافق ذلك مع حملة إعلامية فلسطينية مكثفة داخلياً وخارجياً، لتبيان خطورة التحرك الصهيوني ضد المسجد الأقصى المبارك، وحشد الداعمين والمؤيدين لحراك شعبنا وانتفاضته ضد محاولات التهويد والاستهداف الصهيوني للمسجد الأقصى، وفي الختام لابدّ أن نسجل كلمة شكر لأصحاب الهمة العالية واليقظة الوطنية من أهلنا في القدس المحتلة، والذين استشعروا بالخطر، توحدوا جميعاً لمواجهته، فكانت كلمتهم واحدة وموقفهم واحد، فلا تسمع من القدس إلا الصمود، ولا ترى في القدس إلا الشموخ، فلا مكان للتنازل ولا إمكانية للتراجع، الأقصى في خطر هذا التوصيف الحقيقي من أهل القدس، والهتاف الموحد والنشيد المحبب لذا الحشود المقدسية، الأقصى في العيون نفنى ولا يهون .
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق